هل العلماني كافر والإسلامي ارهابي؟!
الاستقطاب بين الوصفين: العلماني كافر والإسلامي إرهابي
هذا التصنيف الحاد يعكس استقطابًا سياسيًا وثقافيًا يعاني منه العديد من المجتمعات، خاصة في الدول ذات الأغلبية المسلمة، نتيجة للتوترات بين التيارات الدينية والعلمانية. هذا النوع من الاستقطاب هو تبسيط مفرط ومعيب للواقع، ويستخدم غالبًا لتأجيج الانقسامات بين الناس. دعونا نستفيض في تحليل هذه الظاهرة:
أ. جذور الاستقطاب
1.تاريخيًا:
•ظهر الاستقطاب بوضوح منذ عصر الاستعمار، عندما ارتبطت العلمانية في أذهان البعض بالمشاريع الاستعمارية، إذ فرضت القوى الاستعمارية أشكالًا من العلمنة على الدول الإسلامية.
•في المقابل، أُحبطت المشاريع الإسلامية ذات الطابع السياسي في القرن العشرين، وتم قمعها بقوة، مما أدى إلى ربطها بالعنف كرد فعل.
2.سياسيًا:
•الأنظمة الحاكمة في العديد من الدول العربية والإسلامية استغلت هذا الانقسام لتحقيق مكاسب سياسية.
•الأنظمة التي تبنت العلمانية هاجمت التيارات الإسلامية واتهمتها بالتطرف والإرهاب، بينما اتهمت الجماعات الإسلامية الحكومات العلمانية بالكفر والفساد.
3.إعلاميًا:
•الإعلام المحلي والعالمي ساهم في هذا الاستقطاب من خلال تصوير العلمانيين بأنهم مناهضون للدين، والإسلاميين كخطر أمني.
•بعض وسائل الإعلام الغربية ربطت كلمة “إسلامي” بالإرهاب، مما خلق تصورات سلبية عالمية.
ب. العلماني: ليس بالضرورة كافرًا
1.العلمانية ليست موقفًا دينيًا:
•العلمانية ليست عقيدة دينية بل موقف سياسي يتعلق بتنظيم العلاقة بين الدين والدولة.
•العلماني قد يكون مسلمًا ملتزمًا بعقيدته ولكنه يرى أن السياسة يجب أن تُدار بآليات مدنية.
2.التنوع داخل التيار العلماني:
•هناك علمانيون محافظون يدافعون عن القيم الدينية ويعتبرونها جزءًا من الهوية الثقافية.
•في المقابل، هناك من يتبنون مواقف مناهضة للدين بشكل صريح، لكنهم أقلية ولا يمثلون كل العلمانيين.
3.تكفير العلمانيين:
•الإسلام يحذر من التكفير دون دليل قاطع. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
“إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما.”
•العلماني الذي يؤمن بالله وبالرسول لكنه يختلف في طريقة إدارة الدولة لا يمكن اعتباره كافرًا.
ج. الإسلامي: ليس بالضرورة إرهابيًا
1.الإسلام دين السلام:
•الإسلام يدعو إلى التعايش واحترام الآخرين. الإرهابيون الذين يرتكبون الجرائم باسم الإسلام يمثلون فئة شاذة.
•معظم الإسلاميين لا يتبنون العنف كوسيلة لتحقيق أهدافهم.
2.التنوع داخل التيار الإسلامي:
•هناك إسلاميون معتدلون يدعون إلى المشاركة السياسية عبر الوسائل السلمية والديمقراطية.
•في الوقت نفسه، هناك جماعات متطرفة تستخدم العنف وتشوّه صورة الإسلام، لكنها لا تمثل الإسلاميين عمومًا.
3.الخلط المتعمد بين الإسلام والإرهاب:
•بعض القوى الدولية والإقليمية تستخدم مصطلح “الإرهاب الإسلامي” بشكل موجه لشيطنة الإسلاميين.
•هذا الخلط يؤثر على صورة المسلمين عالميًا ويزيد من مشاعر الإسلاموفوبيا.
د. أثر هذا الاستقطاب على المجتمعات
1.تأجيج الانقسامات الداخلية:
•يؤدي هذا الاستقطاب إلى انقسام المجتمعات بين معسكرين متصارعين بدلًا من التعاون لتحقيق الصالح العام.
•يضعف النسيج الاجتماعي ويحول الخلافات الفكرية إلى صراعات عدائية.
2.إضعاف العمل السياسي المشترك:
•يُفقد النقاش السياسي أي عمق أو إنتاجية، حيث يتمحور حول التخوين والتكفير بدلًا من معالجة القضايا الحقيقية.
3.تشويه صورة الإسلام والمسلمين:
•الخلط بين الإسلام والإرهاب يُضر بمصالح المسلمين عالميًا، ويمنح أعداءهم حجة للتدخل في شؤونهم.
4.ضياع الحلول الوسط:
•يعرقل هذا التصنيف الحوار بين التيارات المختلفة ويمنع الوصول إلى حلول وسط تضمن التعايش.
هـ. كيفية تجاوز هذا الاستقطاب
1.تعزيز الحوار والتفاهم المشترك:
•يجب أن تتواصل التيارات المختلفة (العلمانية والإسلامية) على أسس الاحترام المتبادل.
•فهم الاختلافات والنقاط المشتركة هو الخطوة الأولى نحو التعايش.
2.محاربة الخطاب الإعلامي الموجه:
•التصدي للإعلام الذي يعزز الاستقطاب من خلال التوعية والتثقيف.
•تقديم نماذج ناجحة من التعايش بين التيارات المختلفة.
3.رفض التعميم والتصنيف الجائر:
•ليس كل علماني كافرًا، وليس كل إسلامي إرهابيًا.
•الأفراد يجب أن يُحكم عليهم بناءً على أفعالهم ومواقفهم، وليس بناءً على انتماءاتهم.
4.تأصيل القيم الإسلامية:
•الإسلام يدعو إلى العدل في الحكم على الناس. يقول الله تعالى:
“وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ” (المائدة: 8).
الخلاصة
التصنيف بين “العلماني كافر” و”الإسلامي إرهابي” هو تبسيط مخل يضر بالمجتمعات. يجب على الجميع تجاوز هذه الثنائية المتطرفة والعمل نحو بناء مجتمعات تسودها العدالة، الحرية، والتعايش.
تعليقات
إرسال تعليق