ما هو الفرق بين السياسة والفلسفة السياسية؟ ما هي مساهمات افلاطون الاصلية في الفلسفة السياسية؟ وماهي أهم الحكومات السياسية التي تناولها أفلاطون في كتابه الجمهورية؟
ما هو الفرق بين السياسة والفلسفة السياسية؟ ما هي مساهمات افلاطون الاصلية في الفلسفة السياسية؟ وماهي أهم الحكومات السياسية التي تناولها أفلاطون في كتابه الجمهورية؟
الفلسفات السياسية هي عبارة عن النظريات والافكار التي تسعى لدراسة تأثير مختلف المثاليات السياسية على المجتمع، ودورها في تشكيل الافكار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. تتراوح الاسئلة التي تشغل اهتمام الفلسفة السياسية من وصف الحالة الحقيقية للإنسان على المستوى الوجودي، الى انواع النظم الاجتماعية الضرورية لترويض وتنظيم الطبيعة.
في هذا السياق، هناك قدر من الحقيقة في القول ان الاجوبة او الرؤى التي تطرحها تلك الفلسفات هي ليست بالضرورة اصلية. افلاطون، وهو تلميذ سقراط كان منشغلا تماما بالفلسفة السياسية ووضع لنفسه مهمة تصور مجتمع يعمل بشكل سليم. مجتمع افلاطون المثالي كان يتكون من الحكام والجنود والجماهير. جميع هذه الاصناف ضمن المجتمع صُممت في عمر الشباب لتلعب دورا اجتماعيا يساهم ايجابيا في تحسين الميدان الاجتماعي.
الفلسفة السياسية مقابل النظرية السياسية
مع الإغريق لم نعد نتحدث عن السياسة بشكل منفرد، بل تطور المفهوم ليشمل علم السياسة والفلسفة السياسية، فما هو الفرق بين السياسة والفلسفة السياسية؟
تحاول الفلسفة أن تجيب على السؤال الآتي وهو كيف للقوة أن تتوافق مع المعقولية في المجتمعات، والسياسة في أكثر معانيها انتشارا هي علم القوة وتنظيمها في المجتمعات، أما الفلسفة فهي تنظيم مستمر لعملية التعقل واكتشاف المبادئ المنظمة للتطبيق العملي. ولما كانت الأداة التي يمكن لها تحقيق هذا التوفيق بين القوة والعقل في المجتمع هي الدولة فقد يحدث أن تنجح الدولة في إخضاع القوة للعقل وقد تهدف إلى أن يكون مثلها الأعلى هو تتويج للعقل مقعد القوة، ولكن يحدث في الغالب أن تفشل في ذلك. ولقد كان أفلاطون هو أول من عنى بالبحث عن إمكانية هذا التوفيق، بل كان أول من دعا إلى هذا الهدف في فلسفته السياسية. وكان السفسطائيون هم أول من تحدث عن الأخلاق والسياسة في الفكر اليوناني القديم، فقد كان التسليم بنظام دولة المدينة والنظم التي تقول بها – تسليما عاما دون اعتراض أو مناقشة، فقد كن الناس يولدون ويعيشون، ويموتون، في ظل عادات قديمة لم يعرف أحد شيئا عن نشأتها. بل كان هناك شعور غامض بأنها سماوية – وكانت هذه العادات هي القانون المعمول به، لكن مع قدوم السفسطائيين وخاصة الفيلسوف السياسي " بروتاغوراس " الذي وضع قاعدته المشهورة " الإنسان مقياس الأشياء جميعا، الأشياء الموجودة وغير الموجودة حسب ما يحدده الذكاء „. هذه القاعدة " قاعدة خطيرة لأنها تعبر عن فردية متطرفة لاسيما إذا ما طبقت في مجال الأخلاق، ما دامت قيم الأشياء في نظر أي انسان هي كما تبدو له." ومنه تصبح لكل فرد نظريته خاصة للأخلاق، أما إذا طبقنا هذه المقولة بالنسبة للسياسة فهي تجعل الفرد مقياسا وقاعدة لما يعتبر صوابا. لهذا يعتبر هيغل السفسطائيين رواد التنوير عند اليونان، هذا الروح التنويرية في السياسة والأخلاق التي ستطور إلى أن تصل ذروتها مع أفلاطون وأرسطو.
الفلسفة السياسية والنظرية السياسية هما موضوعان يختلفان عن بعضهما البعض في جوانب معينة. وتتناول الفلسفة السياسية مواضيع، وهي العدالة والممتلكات، والحقوق، والحرية، والقانون. من ناحية أخرى، النظرية السياسية تتعامل مع نظرية السياسة وكيف نشأت. هذا هو الفارق الأساسي بين الفلسفة السياسية والنظرية السياسية.
النظرية السياسية تتناول النظرية العامة للدستور والمواطنة. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن النظرية السياسية تحدد وتشرح أشكال الحكم المختلفة، أي الملكية، والطغيان، والأرستقراطية، والاوليغارشية، والنظام السياسي، والديمقراطية. من ناحية أخرى، تتعامل الفلسفة السياسية مع واجبات المواطنين تجاه حكومة شرعية.
ويقال إن أرسطو شكل النظرية الدستورية على أساس نظرية العدالة. إن مفهوم العدالة العالمية يشكل أساس النظرية السياسية. وقال مفكرون عظيمون في الماضي إن السياسة تقوم على العدالة العالمية. ومن ناحية أخرى، تستخدم نظرية المعرفة والميتافيزيقا في دراسة الفلسفة السياسية. يتم دراسة أصل الدولة ومؤسساتها وقوانينها كجزء من دراسة الفلسفة السياسية. هذا ليس هو الحال مع النظرية السياسية.
النظرية السياسية منطقية في تفسيرها واستنتاجاتها. من ناحية أخرى، الفلسفة السياسية هي الميتافيزيقية في تفسيرها واستنتاجاتها. إن تفسير السلطة في المجتمع يشكل جوهر النظرية السياسية. ويجب أن تكون السلطة متوازنة بشكل جيد بين الكيانات الثلاثة، أي الدول والمجموعات والأفراد. النظرية السياسية تدرس بعمق موازنة هذه الكيانات الثلاثة.
كان الفلاسفة السياسيون مفكرين طوال حياتهم. ومن ناحية أخرى، كان خبراء النظرية السياسية ممارسين طوال حياتهم. نظرية سياسية تطور النظرة المادية، في حين أن الفلسفة السياسية تطور نظرة فلسفية.
مساهمات افلاطون
في سياق تاريخ الفلسفة السياسية، برز افلاطون كواحد من اهم المنظرين السياسيين الموهوبين ان لم يكن أحسنهم. ومع انه يفحص بدقة حاجات المجتمع، هو كان قادرا على تمييز حاجات المجتمع بالإضافة لحاجات الفرد. هو قهر الايغو الانسان حينما اعترف بان الفرد لا يستطيع البقاء بمفرده وان جميع الناس يعتمدون على بعضهم لكي يعيشوا حياتهم. فكرته عن الجماعة المنظمة كانت محط اهتمام العديد من النقاشات في الفلسفة السياسية وكانت نقطة الانطلاق التي بواسطتها خلق العديد من الفلاسفة السياسيين بيئتهم الاجتماعية المثالية. مع ان نظرياتهم ليست متطابقة مع نظرية افلاطون، لكن علامات لنظام افلاطون كانت بالتأكيد حاضرة.
توماس هوبز الفيلسوف السياسي للقرن السابع عشر لديه بعض النظريات والافكار مشابهة تماما لنظريات افلاطون. رؤية هوبز لدولة الطبيعة كانت بدائية جدا: هو فكر انه في دولة الطبيعة تسود حرب الجميع ضد الجميع. في دولة الطبيعة كانت العدالة مستحيلة لأنه بدون مجموعة من القيود والهياكل، سيكون لكل فرد الحق بعمل اي شيء يرغبه وستكون الفوضى امرا حتميا.
الطريقة الوحيدة للهروب من حالة الفوضى التعيسة كانت ان يوافق كل الناس على ميثاق اجتماعي. شروط الميثاق هي ان يُعطى الحاكم المطلق الحرية الكاملة في التعامل مع المواطنين. الملك مُنح له الخيار في حماية حياة المواطنين. ومن المفارقة ايضا ان الملك لديه الحق في سلب حياة مواطنيه (حين يصبحون عرضة القتل). لحسن الحظ لم يتخل المواطنون عن حقهم في المقاومة، وفي الحقيقة، سُمح لهم، ولكن (دون جدوى). بما ان الملك يحافظ على حياة الاكثرية ويمارس سلطة مطلقة، فان الميثاق سيُعتبر ناجحا وبالتالي سيُخلق المجتمع المدني. الميثاق الذي اُقترحه هوبز في (التنين) قصد به المحافظة على مصلحة السلم العام. وبما ان الناس لا يقتلون بعضهم، فان الصالح العام سيتم بلوغه والملكية المطلقة ذاتها ستعتبر ناجحة.
هناك تشابه واضح بين افكار هوبز ونظرية افلاطون في المجتمع المدني. افلاطون اشار الى الاعتمادية المتبادلة داخل المجتمعات وفيما بينها وان لا حياة لأحد بدون هذه الاعتمادية او بدون المجتمع الموجه. هوبز استخدم افكار افلاطون في الاعتمادية الى الحدود القصوى حينما اشار الى ان الرجال والنساء سيقتل بعضهم لكي ينجوا بحياتهم. لماذا؟ لأن الناس الآخرين لديهم ما نحتاجه لكي نحافظ على حياتنا، سواء كانت ملكية او طعام او غيرها. ولكن لماذا نحن حقا بحاجة الى المجتمع المدني؟ لأن الناس انانيون ويرغبون بعمل اي شيء ممكن حتى وان انتهكوا الاخرين من اجل أنفسهم. فقط في المجتمع الذي توضع فيه القيود والقوانين على الناس، سيعمل الافراد الى جانب بعضهم بدلا من القتال لأجل البقاء وسيستخدم كل فرد ما لديه من موارد وخبرة لمصلحة المجتمع. طريقة هوبز في حكم مجتمع كهذا تختلف عن طريقة افلاطون لكنها لاتزال تنبع من نفس الاساس. الملكية التي يصفها هوبز ستُمنح حرية كاملة في التصرف ويناط بها اتخاذ ما يلزم لتحقيق ما هو أفضل للمجتمع ككل.
ونفس الشيء بالنسبة لحكام افلاطون الذين هم مسؤولون عن توحيد الجماعة بأمل تأسيس مجتمع مدني قوي ومزدهر. الفرق الواضح بين تصوري هوبز وافلاطون للحكام هو ان حاكم افلاطون سيكون مختارا طبيعيا بسبب حكمته المتأصلة، بمعنى اخر، حاكم افلاطون يولد حكيما وقصد به ان يكون في موقع الحاكم، اما حاكم هوبز هو أحد المواطنين يتم اختياره ويُعترف به كحاكم مطلق في ميثاق المجتمع.
الكس دي توكفيل Alexis De Tocqueville هو فيلسوف سياسي بارع في القرن التاسع عشر برزت افكاره من الاصول الفلسفية لأفلاطون، توكفيل جاء من ارستقراطية فرنسا وذهب الى امريكا اساسا لدراسة نظام العقوبات. ولكن بدلا من متابعة اعماله، وجد نفسه مفتونا بالنظام السياسي الذي شغل امريكا. عمله "الديمقراطية في امريكا" جسّد مقارنة سياسية بين الارستقراطية والديمقراطية. بدلا من دراسة الناس في دولة الطبيعة البسيطة، كما فعل افلاطون وهوبز، ركز توكفيل على الحاضر وعلى البناء السياسي الافضل للناس في المجتمعات القائمة سلفا. هذه الطريقة في بناء فلسفة سياسية كانت مختلفة عن طريقة هوبز وافلاطون، مع ذلك انها كانت فعالة في تحليل ومعرفة نوع البناء الاجتماعي الذي يساهم في تحقيق الصالح العام للأفراد ضمن مجتمع معين.
توكفيل كان مسحورا بمقدار الحرية السياسية التي يمتلكها كل الناس من أدني الى اعلى طبقة. هو كان مندهشا بالكيفية التي تدار بها امريكا للحفاظ على مثل هذا النظام السياسي القوي بدون امتلاك سيطرة مركزية حزبية لها القول المطلق والنهائي في تمرير القوانين. ما يدهشه كثيرا هو اشتراك الناس حتى اولئك المنحدرين من الطبقة الفقيرة في رسم القواعد والقوانين التي تستطيع الحكومة تمريرها. هذا كان واضحا في النظام القضائي الامريكي حيث كل فرد كان قادرا على ان يكون قاضيا ويقرر مصير الافراد الاخرين. هو كان مندهشا بان الفرد اثناء المحاكمة لم يكن يُستمع له من قبل محلف منفرد، وانما يُعطى الفرصة ليضع قضيته امام هيئة محلفين من زملائه من كل الطبقات الاجتماعية والمالية. هذا وفر للمدّعي فرصة متساوية بالعدالة طالما يتم اختيار القاضي عشوائيا من كل طبقات المجتمع بصرف النظر عن منزلته الاجتماعية والمالية. هو اُعجب في هذا النوع من النظام القضائي الذي يستطيع حماية حقوق الافراد ويحافظ على إعلان الامة في الصالح العام. كان يرى ان القاضي المختار هو أقرب الى مفهوم افلاطون في "الحراس" الذين كان عليهم الدفاع عما اسسه المؤسسون القدماء.
ومن الاشياء الاخرى التي ذهل بها توكفيل هي السهولة التي يصوت بها المواطنون الامريكيون عن آرائهم. اي، رغم افكارهم، هم أكثر رغبة في اتباع القواعد والقوانين التي تضعها الامة، حتى لو لم تكن منسجمة مع فلسفتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعينة. هو توصل الى الاستنتاج التالي:
"طالما ان الاغلبية لم تتقرر بعد، فان النقاش سيجري، ولكن حالما يصبح اعلان القرار لا رجعة عنه فان كل شخص سيصمت، والمعارضون بالإضافة للأصدقاء متحدون في الموافقة على صوابيه ذلك القرار.".
بما ان القرارات كأي من القواعد والقوانين التي يجب ان تُمرر يتم اقرارها من جانب الاغلبية بعد دراسة السلبيات والايجابيات، فان الناس أكثر رغبة للخضوع للقرار لأنه يُدرس ويُحلل ويُعرض من كلا الجانبين وليس فقط من جانب الملك الهوبزي ذو القول المطلق. هو استنتج، ان غياب الملك هو لضمان ان هدف الخير العام لا يتضرر بالعدالة. الطريقة التي تتعامل بها امريكا مع مواطنيها تسمح بتعديل القوانين وبالفرص المتساوية لكل من يريد النجاح بصرف النظر عن التاريخ العائلي السابق للأفراد.
هنا ربما يبرز تشابه آخر مع جمهورية افلاطون حينما يوجه توكفيل انتباهه للكيفية التي يعمل بها الناس في امريكا مع بعضهم في محاولة بناء جماعة قوية: بدلا من القتال فيما بينهم لأجل البقاء، هم واعون بأهمية اعتمادهم على بعضهم. شخص واحد لا يستطيع تمرير القوانين في امريكا، تصويت الغالبية مطلوب لكي تمرر القوانين والحوكمة، والتي ستكون لمصلحة الخير العام وليس فقط للفرد. توكفيل استكشف الخير العام لأمريكا وكان قادرا على التشخيص الدقيق لسبب استمرارية التقدم في النظام السياسي الامريكي في مثل هكذا إطار ديمقراطي بدون اي انفجارات فوضوية كبيرة. بعد شرحه للشعب وللنظام السياسي، أصبح استنتاجه واضحا: الناس الذين جاؤوا الى امريكا جاؤوا من مختلف الاصول واجتمعوا الى بعضهم بحثا عن الخير العام. الخير العام في عقلية امريكا كان الاستقلال، والاستقلال يوجد فقط وكليا في المجتمع الديمقراطي. الناس الذين قدموا الى امريكا جاؤوا من اماكن القمع وانظمة الحكم الملكية وكانوا يخشون جدا من هكذا حكم. مع الآباء المؤسسون لأمريكا الجميع متفقون انهم ارادوا نظاما آمنا يمنع اي نوع من الملكية، وهو ما قاد الى تجسيد الخير العام لجميع المواطنين.
هذا الاتفاق، مع انه مختلف جدا في المحتوى، لكنه كان مساويا الى فكرة ميثاق هوبز التي بواسطتها يجب ان يُنظم كل المجتمع، اي عبر اتفاقية يبارك بها الجميع. ما اثار الالتباس لدى توكفيل هو لماذا كانت هذه الترتيبات الديمقراطية ممكنة في أوربا في دراسته المقارنة هو اراد معرفة لماذا النظام الديمقراطي في امريكا بالذات كان حيويا هناك، ولكن ليس في قارته أوربا. التبرير الذي جاء به كان ملفتا. هو استنتج ان الطرق الارستقراطية في أوربا كانت راسخة جدا في النظام السياسي لدرجة ان اي محاولة لتطبيق اسلوب الديمقراطية الامريكية ستسبب صراعا أكثر من الاطراء في ميدانها الاجتماعي. الناس في أوربا مسحورون بماضي الاسلاف والثقافة. ولأن هذه المجتمعات تقود الحياة بمثل هذه التمايزات الاجتماعية فان اي مسعى للمساواة التامة سيقود الى اضطراب اجتماعي كبير.
جلب الناس من جميع الطبقات الاجتماعية العليا والدنيا الى النقطة التي لم يعودوا بها منفصلين وفق القيود المالية او العائلية سيسبب فوضى في المجتمع. الناس ذوي النسب القريب جدا لقلوبهم، سيدفعهم الشعور برغبة الايذاء والقسوة الى خلق فوضى عارمة تتجاوز بثقلها فوائد الوحدة الاجتماعية المتوقعة عادة بوجود المساواة والاستقلال. الديمقراطية لن تكون لمصلحة الدول الاوربية او لمشاعر التقاليد القوية التي تتمسك بها تلك الامم. الخير العام لأوربا ليس بالضرورة هو ذاته في امريكا. توكفيل استنتج الجواب، والذي بالنسبة له بدا صائبا جدا عند مقارنة الاتجاهين مع هيكل الحكومة. هو كان عمليا عندما قرر ان يبني مُثله الاجتماعية على المواقف المتجسدة للناس بدلا من محاولة البدء من موقف مختلف جدا مرتبط بالمراحل البدائية الطبيعية للإنسان. مع ان هذا المظهر من بحثه يختلف عن ذلك السائد لدى افلاطون وهوبز، لكنه لايزال يسمح له ليأتي بحل مشابه للفيلسوفين السابقين. طريقة توكفيل للنظر للمجتمع سمحت له إدراك ان الديمقراطية ربما هي أحسن طريقة لبلد معين لبلوغ خيره العام، لكنها ليست مناسبة لدول اخرى.
ماركس، كما افلاطون وهوبز وتوكيل لديه رؤية عن كيفية ان انقسام الجماعة بالطبقة الاجتماعية سيأخذ بناء اجتماعيا جديدا يكون مفيدا لكل المواطنين ضمن المجتمع وليس فقط للأرستقراطيين. مجتمع ماركس المثالي سيكون "لا طبقي". هو رأى هيكل المجتمع نتيجة للتاريخ الذي سياتي في النهاية الى حالة من التوازن. النقطة الاساسية في رؤيته للمجتمع الطبقي كانت نهاية الرأسمالية. يرى ماركس، ان الرأسمالية هي طريقة استخدمتها البرجوازية لاستغلال العمال كي تزيد قيمة انتاجهم. لكن ماركس شعر بان الرأسمالية احتوت على بذور فناءها: النهم في المنافسة والسيطرة على انتاج السوق. الرأسمالية السائدة بين المنتجين لإنتاج المزيد من السلع سيقود بالنهاية لخروجهم من الاعمال، لكن مع قلة المنافسة هذه سيكون هناك القليل من البروليتاريين المقهورين. هذا غيّر المجتمع بقوة من كونه رأسماليا الى جماعة اشتراكية. وبالنهاية سوف ينتقل هذا المجتمع المتغير باستمرار من مجتمع اشتراكي الى مجتمع لا طبقي تماما.
اعتقد ماركس جازما ان التصنيع كان العنصر الرئيسي للمجتمع غير طبقي الجديد. هو يرى ان المزيد من المكائن التي تتولى الجزء الاعظم من الانتاج سوف تحرر الانسان من القسوة التي يتحملها العمال. وبما ان المكائن تستطيع انتاج الكثير في فترة أقصر، هو رأى ان هناك انتاجا كافيا يسمح لكل شخص بحياة أكثر سخاء. وعليه، فان كل شخص لديه امكانية الوصول الى هذه الحياة المختلفة، ولذا فان المجتمع سيتغير من الارستقراطية الى المجتمع غير طبقي. هذا المناخ غير طبقي سيكون مناخا شيوعيا وحيث لا أحد يمتلك الارض، اذ ستكون الملكية والسلع المنتجة تحت وصاية الدولة وليس افراد المجتمع. نظرية ماركس للدولة باعتبارها لجميع الملكيات، هي من حيث الجوهر، وضعت كل عضو في الدولة على قدم المساواة. وبسبب ان الدولة تملك كل الملكيات، فهي قادرة على توزيع كل البضائع على جميع المواطنين. هذا كفل تلبية رفاهية جميع المواطنين وليس فقط النخبة، وبالتالي تحقيق الصالح العام.
بسبب حساسية ماركس تجاه حاجات البروليتاريا وحاجات الطبقة الوسطى، فان فلسفته السياسية اكتسبت هدفا تيبولوجيا في الخير العام الموجه للجميع وليس فقط للنخب من المواطنين الذين يسيطرون على وسائل الانتاج. ذهنية ماركس وضعته في نفس الصف مع افلاطون وهوبز وتوكفيل. هو بحث عن وسائل تحسين الجماعة فكانت الشيوعية المفهوم الاخير الذي برز ضمن تفكيره منذ ان شعر ان هذه الفلسفة السياسية يمكنها حقا تعزيز حياة الجميع بمثل هذه البيئة. مع ان هوبز سعى الى الحكم الملكي بقائد منفرد يقود الدولة، وتوكفيل اكتشف ان ما هو خير لدولة معينة ليس بالضرورة خير لا خرى، ماركس شعر ان الحكومة الشيوعية ستعمل أفضل ما يمكن وفق مفهومه للدولة، هم جميعهم يشتركون بهدف مشترك.
ما هو واضح في الفكر السياسي لهؤلاء الفلاسفة هو البحث عن الدولة التامة. هم يشتركون في نفس الهدف وهو البحث عن الحل النهائي الذي يحل المأزق الذي تواجهه دولهم: وبالنهاية، هم كانوا يبحثون عن الفلسفة السياسية التي تلبي طموحات الخير العام. ما يميز بينهم من حيث الجوهر هو الطريقة التي اعتمدوها في محاولة الوصول الى تيبولوجيا سياسية واجتماعية. افلاطون كان الاقدم في افكاره وطموحه كان مرتكزا على المعرفة التي اكتسبها من استاذه سقراط. رؤيته في متابعة الخير العام لجماعة الناس وليس فقط للفرد كانت الفكر المؤسس الذي كان له تأثير عميق على العديد من الفلاسفة السياسيين اللاحقين. هوبز وتوكفيل وماركس جميعهم كان لهم تأثير هائل ليس فقط على الفلسفة السياسية وانما ايضا على تاريخ الافكار. غير ان أصل تفكيرهم يكمن في بحث افلاطون عن الخير العام. كتابات هوبز وتوكفيل وماركس كانت "الاغصان" المتفتحة من النبتة التي زرعها افلاطون والذي تدين له الفلسفة السياسة كثيرا. بدون التحقيقات الاولى لأفلاطون سوف لا يكون لدينا الاساس القوي الذي سمح لنا اليوم للبحث عن وسائل للاقتراب نحو هدف تحقيق الخير النهائي للمجتمع.
الحكومات السياسية التي تناولها أفلاطون في كتابه الجمهورية
يقدم سقراط في المحاورات داخل الكتاب تعريفا للعادل، وهو الحكيم والصالح، ويصف المتعدي ب «الشرير والجاهل». وهو يظن أن الإنسان يميل بطبعه إلى التعدي أكثر من العدل، والدولة ينبغي لها أن تعلم الأفراد حب العدالة. ويشبه أجزاءه الدولة بأجزاء الإنسان، فيقول إن الدولة تنقسم إلى: طبقة الحكام، طبقة الجيش، طبقة الصناع والعمال. ويقسم الإنسان إلى:
- الرأس، وفيه العقل، وفضيلته هي الحكمة.
- القلب، وفيه العاطفة، وفضيلته هي الشجاعة.
- البطن، وفيه الشهوات، وفضيلته هي الاعتدال.
والدولة العادلة هي التي يقوم كل فرد فيها بالعمل الخاص بطبيعته: الحاكم يحكم، الجندي يحرس، العامل يشتغل. وهكذا تكون فكرة العدالة في النفس البشرية: العقل يضبط الشهوات، العواطف تساعد العقل في عمله، كالغضب من الأعمال السيئة، والخجل من الكذب. والعدالة الاجتماعية هي جزء من العدالة الداخلية (عدالة النفس).
يتساءل سقراط في المحاورات: هل نطلب القوة، أم نطلب الحق؟ وهل خير لنا أن نكون صالحين أو أن نكون أقوياء؟
ويقول سقراط في المحاورات أن الطمع وحب المزيد من الترف هي العوامل التي تدفع بعض الأشخاص للتعدي على الجيران وأخذ ممتلكاتهم، أو التزاحم على الأرض وثرواتها، وكل ذلك سيؤدي إلى الحروب.
ويقول إن التجارة تنمو وتزدهر في الدولة، وتؤدي إلى تقسيم الناس بين فقراء وأغنياء، وعندما تزيد ثروة التجار تظهر منهم طبقة يحاول أفرادها الوصول إلى المراتب الاجتماعية السامية عن طريق المال، فتنقلب أحوال الدولة، ويحكمها التجار وأصحاب المال والبنوك، فتهبط السياسة، وتنحط الحكومات وتندثر.
ثم يأتي زمن الديمقراطية، فيفوز الفقراء على خصومهم ويذبحون بعضهم وينفون البعض الآخر ويمنحون الناس أقساطا متساوية من الحرية والسلطان. لكن الديمقراطية قد تتصدع وتندثر من كثرة ديمقراطيتها، فإن مبدأها الأساسي هو تساوي كل الناس في حق المنصب وتعيين الخطة السياسية العامة للدولة، وهذا النظام يستهوي العقول، لكن الواقع أن الناس ليسوا أكفاء بالمعرفة والتهذيب ليتساووا في اختيار الحكام وتعيين الأفضل، وهنا منشأ الخطر. ينشأ من الديمقراطية والاستبداد، إذا جاء زعيم يطري الشعب داعيا نفسه «حامي حمى الوطن»، ولاه الشعب السلطة العليا، فيستبد بها. ثم يتعجب سقراط من هذا ويقول: في المسائل الصغيرة كصنع الأحذية مثلا ألا نعهد بها إلى «إسكافي» ماهر؟ أو حين نمرض ألا نذهب إلى طبيب بارع؟ فإذا كانت الدولة تعاني من علة ما، ألا ينبغي لنا أن نبحث عن أصلح الناس للحكم؟ ثم يقول إن الدولة تشبه أبناءها، فلا نطمع بترقية الدولة إلا بترقية أبنائها.
مكن قسمة الحكومات إلى خمسة أنواع كبرى، هي: الأرستقراطية، والتيموقراطية، والاوليغارشية، والديموقراطية، والاستبدادية. ومن ثمَ كان هنالك خمسة أنواع عُظمى من صفات الأفراد تُطابق أنواع الحكومة الخمسة؛ لأن الدولة (يقول سقراط) نتائج أفراد أهاليها، فيرجع في درس سجيتها إلى درس سجيتهم.
الأرستقراطية
الأرستقراطية هي شكل الحكومة (الجمهورية) الذي دعا إليه أفلاطون. هذا النظام يحكمه ملك فيلسوف، وبالتالي يقوم على الحكمة والعقل. إن الدولة الأرستقراطية، والرجل الذي تتوافق طبيعته معها، هما موضوع تحليلات أفلاطون في كثير من كتب الجمهورية، على عكس الأنواع الأربعة الأخرى من الدول / الرجال، والتي تمت دراستها بشكل أساسي في الكتاب الثامن. تتكون الدولة الأرستقراطية التي يمثّلها أفلاطون من ثلاثة أجزاء شبيهة بالطبقة: الطبقة الحاكمة ، المكونة من الملوك الفيلسوفين المذكورين أعلاه (الذين تم تحديدهم على أنهم يمتلكون أرواحًا من ذهب) ؛ مساعدي الطبقة الحاكمة ، المكونة من جنود (أرواحهم مصنوعة من الفضة) ، ووظيفتهم في الدولة هي فرض النظام الذي وضعه الفلاسفة على الأغلبية ؛ وأغلبية الناس (أرواح البرونز أو الحديد) ، الذين ، على عكس الطبقتين الأوليين ، يُسمح لهم بامتلاك الممتلكات وإنتاج السلع لأنفسهم ، لكنهم ملزمون أيضًا بالمحافظة على أنشطتهم الخاصة لحكامهم - ممنوعون من التملك من أجل الحيلولة دون تشويه السياسات التي يتبعونها بمصالح شخصية. يتم تمثيل الرجل الأرستقراطي بشكل أفضل من خلال العلامة التجارية للفيلسوف لأفلاطون: رجل تم تشكيل شخصيته وطموحاته في تلك المثالية لحاكم عادل من خلال نظام تعليمي صارم مصمم لتدريب المثقفين غير الأنانيين والمستقيمين، والذين تم تهدئة أرواحهم. وإدراكًا للخير المطلق من خلال تعلم الحقيقة بناءً على الأفكار الأفلاطونية. يتصور أفلاطون لهذا الفيلسوف نزعة وقدرة تجعله الحاكم المثالي لأي دولة على وجه التحديد لأن روحه تعرف فكرة الخير، والتي هي الأصل الميتافيزيقي لكل ما هو جيد، بما في ذلك السعادة نفسها. الثروة والشهرة والقوة هي مجرد ظلال للخير وتوفر فقط إشباعًا أجوفًا وعابرًا. إن معرفة الخير في حد ذاته هو الذي يمنح الإنسان سعادة دائمة وحقيقية. وهكذا، فإن الفيلسوف الذي يتعرض للتأمل الميتافيزيقي لا يميل إلى إساءة استخدام سلطته في سعيه وراء السلع المادية، وبالتالي فإن سياسات دولته مكرسة لتأسيس الخير في الدولة فقط، وليس مصالحه الشخصية. على النقيض من الأرستقراطيات التاريخية، يشبه أفلاطون الجدارة أو التكنوقراطية البدائية من نوع ما. في ذلك، تقوم دولة حكومية كبيرة بتتبع الشخصية الفطرية والمهارات الطبيعية لأبناء المواطنين، وتوجيههم إلى التعليم الذي يناسب تلك السمات على أفضل وجه. بهذه الطريقة، الطفل ذو الروح الذهبية المولود لأبوين بأرواح فضية أو برونزية أو حديدية لن يتراجع بسبب ولادته الدنيا وسيتم تعليمه إلى مستويات أعلى من أقاربه وفقًا لصفاته الذهبية. على العكس من ذلك، من الوالدين الذين لديهم أرواح ذهبية وفضية، فإن الطفل المولود بنحاس أو روح حديدية يتعلم فقط إلى المستوى الذي يكتسبه من قدراته الطبيعية.
تيموقراطية
تم التعامل مع تيموقراطية في الكتاب الثامن للجمهورية 545 أ -550 ج. تتدهور الأرستقراطية إلى تيموقراطية، بسبب سوء التقدير من جانب الطبقة الحاكمة، يشمل الجيل القادم من الأوصياء والمساعدين أشخاصًا ذوي طبيعة متدنية (الأشخاص الذين لديهم أرواح مصنوعة من الحديد أو البرونز، على عكس الأوصياء والمساعدين المثاليين، الذين لهم نفوس من ذهب وفضة). نظرًا لأنه سيكون هناك أشخاص حاضرون في الحكومة ذات طبيعة متدنية، لا يميلون فقط إلى زراعة الفضائل، ولكن أيضًا إلى إنتاج الثروة، يتم في النهاية إجراء تغيير في دستور المدينة الأرستقراطية، ونظامها التعليمي، الذي كان يستخدم لتقديم الطبقات العليا إلى نظرية سياسية عقلانية بحتة ونكران الذات، يتم تغييرها بحيث يصبح مسموحًا لقادة الدولة الحاليين السعي وراء مصالحهم الفردية. ومع ذلك، فإن نظام تيموقراطية لا ينفصل تمامًا عن كل خصائص الأرستقراطية، وبالنسبة لأفلاطون فإن هذا النظام هو مزيج من السمات الجيدة والسيئة. إن تيموقراطية، في اختيار قادتها، "تميل بالأحرى إلى النوع الأكثر نشاطا وذو تفكير بسيط، والذين هم أكثر ملاءمة للحرب". يقدر حكام التيموقراطية السلطة، التي يسعون إلى تحقيقها في المقام الأول عن طريق الغزو العسكري واكتساب مرتبة الشرف، بدلاً من الوسائل الفكرية. يصف أفلاطون تيموقراطية بأنها مزيج من عناصر نوعين مختلفين من الأنظمة - الأرستقراطية والأوليغارشية. تمامًا مثل قادة الأرستقراطيات الأفلاطونية، سيبذل الحكام التيموقراطيون جهدًا كبيرًا في الجمباز وفنون الحرب، فضلًا عن الفضيلة التي تخصهم، وفضيلة الشجاعة. سيكونون أيضًا ازدراءً للأنشطة اليدوية والتجارة وسوف يعيشون حياة في الشركة العامة. ومع ذلك، تمامًا مثل الأوليغارشية، سوف يتوقون إلى الثروة المادية ولن يثقوا في وضع المفكرين في مناصب السلطة. سيميل التيموقراطيون إلى تجميع الثروة بطرق خبيثة، وإخفاء ممتلكاتهم عن الأنظار العامة. سيكونون أيضًا مبذرين ومتعة. لأن طبيعتهم الحسية، مثل طبيعة الملوك الفلاسفة، لن تكون هادئة في التعليم الفلسفي، لا يمكن فرض القانون عليهم إلا عن طريق القوة. بالنسبة لأفلاطون، كان من الواضح أن الأنظمة التيموقراطية كانت متفوقة على معظم الأنظمة التي سادت في اليونان في عصره، والتي كانت في الغالب من الأوليغارشية أو الديمقراطيات. كريت اسبارتا مثالان على الأنظمة الزمنية المعطاة في جمهورية أفلاطون. في الندوة، تم الثناء على مؤسس اسبارتا، Lycurgus، لحكمته. واستمرت كريت واسبارتا في الإعجاب من قبل أفلاطون في أحد أعماله الأخيرة، القوانين، لوجود دساتير، على عكس معظم المدن اليونانية الأخرى ، تتجاوز مجرد تعداد القوانين ، وتركز بدلاً من ذلك على زراعة الفضائل (أو واحدة منها على الأقل ، فضيلة الشجاعة). مع ذلك، يقدم أفلاطون نقدًا لتلك المدن - حيث إن دساتيرها أهملت فضيلتين أخريين أساسيتين لمدينة عادلة تمامًا مثل أرستقراطية، وهما الحكمة والاعتدال. عن الرجل الذي يمثل دولة تيموقراطية، يقول سقراط إن طبيعته جيدة في المقام الأول: قد يرى في والده (الذي سيكون هو نفسه دولة أرستقراطية) رجلاً لا يزعج روحه باستعراضات القوة والخلافات المدنية، لكنه بدلاً من ذلك ينشغل فقط بزراعة فضائله. ومع ذلك، قد يجد هذا الشاب نفسه في أشخاص آخرين في منزله استياءً من عدم اكتراث الأب بالمكانة. وهكذا، من خلال مراقبة والده والاستماع إلى تفكيره، فإنه يغري بازدهار عقله وفضائله؛ لكنه يتأثر بالآخرين في منزله أو مدينته، فقد يصبح متعطشًا للسلطة. وبالتالي فهو يوافق على الجزء من روحه الذي هو وسيط بين العقل والرغبة، الجزء العدواني والشجاع (وبالتالي الطابع العسكري للتيموقراطية). قد يكون التيموقراطي الشاب هو نفسه محتقرًا إلى حد ما تجاه المال ونشاط جني الأموال، لكنه أصبح يركز بشكل متزايد على توفير خيراته مع تقدمه في العمر، حيث لم يتم تنقية فضائل روحه من خلال الآثار المفيدة لأنشطة التفكير والتجارب الجمالية التي يوصي أفلاطون الطبقة العليا. ويوصف تيموقراطي كذلك بأنه مطيع للسلطة، ومحترم للمواطنين الأحرار الآخرين، وجيد في الاستماع، وعدواني أكثر من ازدراء العبيد.
الاوليغارشية
يعرّف أفلاطون الأوليغارشية على أنها نظام حكم يميز بين الأغنياء والفقراء.
نشأت الأوليغارشية من خلال توسيع الميول الواضحة بالفعل في تيموقراطية. على النقيض من الأرستقراطيين الأفلاطونيين، يسمح دستور التيموقراطيين بامتلاك الممتلكات وبالتالي تراكم الأموال وإهدارها. وبسبب الملذات المتأتية من ذلك، يتم تفضيل المال في نهاية المطاف على الفضيلة، ويسعى قادة الدولة إلى تغيير القانون لإفساح المجال والتكيف مع الرغبة المادية لمواطنيها. ونتيجة لهذا التقدير الجديد للمال، أعاد المحافظون صياغة الدستور مرة أخرى لقصر السلطة السياسية على الأغنياء فقط. هذه هي الطريقة التي تصبح بها تيموقراطية حكم الأقلية.
يقدم أفلاطون وصفاً مفصلاً للمشاكل التي واجهتها عادة الأوليغارشية في أيامه، والتي اعتبرها أكثر اضطراباً من النظام السابق، نظام تيموقراطية. فيما يلي أمثلة على مثل هذه المشاكل:
- توزيع السلطة السياسية ذاته، الذي يمنع الرجال الحكماء والفاضلين، لكن الفقراء، من التأثير على الحياة العامة، مع إعطاء مثل هذه الإمكانية للأثرياء، ولكن غير الأكفاء؛
- عدم الاستقرار الناجم عن الانقسامات الطبقية: بحكم طبيعتها، فإن الأوليغارشية منقسمة على الدوام بين الأغنياء والفقراء. رأى أفلاطون أن من مسؤولية الدولة منع اتساع الفوارق في الدخل، من خلال تطبيق قوانين تمنع المواطنين من الإثراء من خلال العقود الاستغلالية، أو من أن يصبحوا فقراء من خلال إهدار أموالهم وسلعهم. لكن هذه القوانين لا تُفرض أبدًا في الأوليغارشية لأنه من طبيعة الدولة الأوليغارشية السعي إلى جعل عدم المساواة أكثر وضوحًا من أجل تغذية الشهوة المادية لحكامها. تنمو الطبقة الدنيا الفقيرة ويصبح الكثير منهم إما متسولين أو بلطجية مشبعين بالغضب من أوضاعهم وروحهم الثورية التي تهدد استقرار الدولة من الداخل.
- ضعف الأداء في الحملات العسكرية: عادة ما يكون أداء الأوليغارشية ضعيفًا في الحملات العسكرية لأن الأغنياء، وهم قلة، سيشكلون جيشًا صغيرًا، ويخشون إعطاء السلاح للأغلبية (الفقراء) بسبب مخاوف من ثورة.
بالمناسبة، إذا حدثت ثورة وانتصر الفقراء على الأغنياء، فإن الأول يطرد الثاني من المدينة، أو يقتلهم، ويشرع في تقسيم ممتلكاتهم وسلطتهم السياسية بين بعضهم البعض. هكذا، بحسب أفلاطون، تنشأ الديمقراطية. أما بالنسبة للرجل الذي تعكس شخصيته شخصية الأوليغارشية، فإن أفلاطون يشرح نفسانيته بمخطط مماثل لتلك المستخدمة للرجل التيموقراطي. تمامًا مثلما يشرح أفلاطون الطابع التيموقراطي كنتيجة للفساد الاجتماعي لمبدأ أرستقراطي أصل، يتم تفسير الأوليغارشية على أنها مشتقة من خلفية عائلية تيموقراطية. وهكذا، في البداية، يحاكي الابن الأوليغارشي والده التيموقراطي، كونه طموحًا ويتوق إلى الشرف والشهرة. ومع ذلك، عندما يشهد المشكلات التي يواجهها والده بسبب تلك النزعات التيموقراطية - على سبيل المثال، يهدر السلع العامة في حملة عسكرية، ثم يُعرض على المحكمة، ويفقد ممتلكاته بعد المحاكمة - يصبح الأوليغارشية المستقبلية فقيرة. ثم ينقلب على الطموحات التي كانت في روحه، والتي يراها الآن ضارة، ويضع في مكانها شغفًا بالمال، بدلًا من الشرف، والحذر البخل. هؤلاء الرجال، الأوليغارشية، يعيشون فقط لإثراء أنفسهم، ومن خلال وسائلهم الخاصة يسعون فقط لتلبية احتياجاتهم الأكثر إلحاحًا. ومع ذلك، عندما يكونون مسؤولين عن المنافع العامة، فإنهم يصبحون "كرماء".
ومع ذلك، يقدر الأوليغارشيون فضيلة واحدة على الأقل، هي فضيلة الاعتدال والاعتدال - ليس من منطلق أخلاقي أو اهتمام روحي، ولكن لأنهم من خلال السيطرة على الميول الاستبدادية ينجحون في جمع الأموال. وهكذا، على الرغم من أن لديه رغبات سيئة - والتي يقارنها أفلاطون بالميول الفوضوية للفقراء في الأوليغارشية - بفضل الاعتدال، تمكن الأوليغارشية من إقامة نظام هش في روحه. وهكذا قد تبدو الأوليغارشية، على الأقل في المظهر ، متفوقة على غالبية الرجال.
ديمقراطية
ثم تتدهور الأوليغارشية إلى ديمقراطية حيث الحرية هي الخير الأسمى والحرية هي أيضًا العبودية. في الديمقراطية، تكبر الطبقة الدنيا أكثر فأكثر. يصبح الفقراء هم الفائزون. الناس أحرار في أن يفعلوا ما يريدون ويعيشون كيف يريدون. يمكن للناس حتى خرق القانون إذا اختاروا ذلك. يبدو أن هذا يشبه إلى حد بعيد الفوضى.
يستخدم أفلاطون "الرجل الديمقراطي" لتمثيل الديمقراطية. الرجل الديموقراطي هو نجل القلة. على عكس والده، فإن الرجل الديموقراطي منهك برغبات لا داعي لها. يصف أفلاطون الرغبات الضرورية على أنها رغبات لدينا بدافع الغريزة أو الرغبات التي يجب أن نعيشها. الرغبات غير الضرورية هي رغبات يمكننا أن نعلم أنفسنا أن نقاومها مثل الرغبة في الثراء. يهتم الرجل الديمقراطي بشدة بكل الأشياء التي يمكنه شراؤها بأمواله. يعتقد أفلاطون أن الرجل الديمقراطي يهتم أكثر بأمواله حول كيفية مساعدة الناس. يفعل ما يشاء متى شاء. حياته ليس لها ترتيب أو أولوية.
لا يعتقد أفلاطون أن الديمقراطية هي أفضل شكل للحكومة. ووفقا له، فإن المساواة تجلب الأفراد الباحثين عن السلطة الذين تحفزهم المكاسب الشخصية. يمكن أن تكون شديدة الفساد، وهذا يمكن أن يؤدي في النهاية إلى الاستبداد. هذا الشكل من الحكم غير مستقر، ويفتقر إلى القادة ذوي المهارات والأخلاق المناسبة. بدون قادة قادرين وفاضلين، يأتون ويذهبون ، فهو ليس شكلاً جيدًا من أشكال الحكم. إنه يرى أن الديمقراطية خطيرة بقدر ما تحفز الفقراء على الحكام الأثرياء. يعطي الأولوية لتراكم الثروة والممتلكات.
استبداد والدكتاتورية
ثم تتدهور الديمقراطية إلى الاستبداد حيث لا يوجد انضباط لأحد والمجتمع يعيش في حالة من الفوضى. الديموقراطية يسيطر عليها التوق إلى الحرية. يجب الاستيلاء على السلطة للحفاظ على النظام. سيأتي البطل ويختبر القوة التي ستجعله يصبح طاغية. سيبدأ الناس في كرهه وسيحاولون إزالته في النهاية لكنهم سيدركون أنهم غير قادرين.
الرجل المستبد هو ابن الرجل الديمقراطي. إنه أسوأ أشكال الإنسان لكونه أكثر ظلمًا، وبالتالي هو الأبعد عن أي فرح من النوع الحقيقي. تنهمك رغباته الخارجة على القانون مما يجعله يفعل الكثير من الأشياء الفظيعة مثل القتل والسلب. إنه يقترب من الفوضى الكاملة. فكرة الاعتدال غير موجودة عنده. إنه مستهلك من أبسط الملذات في الحياة، ومنح هذه الملذات في نزوة يدمر نوع المتعة التي لا يمكن بلوغها إلا من خلال معرفة الألم. إذا أنفق كل أمواله وأصبح فقيرًا، فإن الطاغية سيسرق ويغزو لإشباع رغباته، لكنه في النهاية سيتجاوز ويفرض على نفسه خوفًا من حوله، مما يحد فعليًا من حريته. يتعرض الطاغية دائمًا لخطر القتل انتقامًا من كل الأشياء الظالمة التي ارتكبها. يخشى مغادرة منزله ويصبح محاصراً في الداخل. لذلك، فإن خروجه على القانون يؤدي إلى سجنه الذاتي.
يشرح أفلاطون كذلك الظلم الذي يؤدي إلى البؤس في ظل الاستبداد، من خلال صوت سقراط، عندما يوضح القيم المنشودة من ثلاثة أنواع. الحكمة والعقل من أسمى وأعدل درجات النقاء لأنهما يسمحان للإنسان بتجربة وفهم ثمار القيم الأخرى بينما يكونان خيرات في حد ذاتها. تحت الحكمة والعقل هو السعي وراء الكرامة، وتحت ذلك توجد أبسط رغبات الإنسان، تلك التي يشبعها القوت والمحظيات. تمنح هذه الرغبات الأساسية أقل قدر من الفرح بسبب ارتباطها بالألم، أي أنها تكون سعيدة فقط عندما لا يتم أخذها كأمر مسلم به. وفي حالة الطاغية، الذي لديه القدرة على الاستيلاء على ما يريد، فإن تلك الرغبات ستُشبع دائمًا وبالتالي لن تكون مُرضية حقًا.
نلخص من هنا ان اعمال افلاطون في الفلسفة السياسية هي اخراج أفضل ما في الانسان من حكمة وعدل وحب الخير واستخدامها في انشاء نظام دولة عادل يكون للجميع على حسب قدراتهم بعيد عن المساواة.
كتابة واعداد : محمد جعفر البرغش
تعليقات
إرسال تعليق